الحرية المسئولة

الحرية المسئولة

 الشباب هم أمل الحاضر وكل المستقبل والشباب هم مستقبل الأسرة وهم أملها في مستقبل أفضل، ويمر الشباب في مراحل النمو المختلفة بالكثير من التغيرات النفسية والجسمانية بداية من مرحلة الطفولة مرورا بمرحلة المراهقة التي تنتهي ببلوغه سن الرشد.  ومرحلة المراهقة هي فترة انتقالية يتوق المراهق خلال هذه الفترة إلى الاستقلال عن أسرته والى أن يصبح شخصا مستقلا يكفي ذاته بذاته.

 ومن أهم مشاكل المراهقة هي حاجة المراهق للتحرر من قيود الأسرة والشعور بالاستقلال الذاتي. وهذه المشكلة هى السبب الرئيسى في معظم الصراعات التي تحدث بين المراهق وأسرته... ومن أمثلة تلك الصراعات الصراع في حرية اختيار الأصدقاء .. وطريقة صرف النقود أو المصروف ... ومواعيد الرجوع إلى المنزل في المساء ... وطريقة المذاكرة ومشاكل الدروس الخصوصية. وطريقة اختيار الملابس وقص الشعر. واستعمال سيارة الأسرة فى سن مبكر وبدون وجود ترخيص القيادة .. وأمور أخرى.

إن كلا من الأسرة والأبناء يجب أن يعترفوا بوجود هذه المشاكل الطبيعية حتى يستطيع الجميع التكيف معها وان يبذلوا جهدهم ويغيروا سلوكهم حتى يتجنبوا الصدام العنيف والوصول إلى بر الأمان حتى يسود الأسرة جو من المحبة والطمأنينة.

******

وفى أحد الأيام دخلت امرأة في خريف العمر حجرة الكشف في العيادة النفسية وكانت في حالة من التوتر والحزن الشديد وكان من مظهرها يبدوا عليها انها من الطبقة الثرية والمثقفة في المجتمع، وكان بصحبتها ابنتها التي تبلغ من العمر 22 عاما وبعد ان جلست الام بادرت في البكاء ولم تستطيع التواصل البصري وبعد ان تمالكت نفسها بدأت في الكلام بطريقة متشنجة وهي تنظر الى ابنتها وتكاد تهجم عليها من فرط الانفعال والغضب وبدأت تسرد شكواها قائلة:

  • يا دكتور انت الامل الأخير امام الاسرة قبل ان يقدم اهل الابنة على القضاء عليها غسلا للعار التي جلبته لنا جميعا...اقسم بالله اننى ظللت مدة طويله ارجو اخوتها ان يعطونى فرصة لعرض المشكلة على الطب النفسى لعل وعسى ان يكون هناك مخرج كريم لنا للخروج من هذه الورطة.
  • بادرتها قائلا ارجو ان تهدئى وتشرحى بالتفصيل ما هي هذه الورطة وما سببها ومتى بدأت حتى أستطيع تقديم يد العون.
  • يا دكتور ابنتى مريضة بالتعري امام النت وهي إذا أتيحت لها الفرصة لتخلو بنفسها فإنها تنتهز هذه الفرصة وتقوم بالتقاط صور لجسدها العارى وتقوم بنشر تلك الصور للمعارف والاهل والأصدقاء غير مبالية بدين ولا عادات ولا تقاليد ولا حتتى للآداب الاجتماعية العادية.
  • وهنا تدخلت الابنة وقاطعت الكلم بصوت ذو نبرة عالية محتجة على كلام الام ومهددة بمقاطعة الجلسة ومغادرة حجرة الكشف فورا إذا لم يتم التوقف عن الاستمرار في توجيه الاهانات اليها.
  • بادرتها بالسؤال ؟؟؟ هل هذه القصة لم تحدث في الأصل ام ماذا!!
  • يا دكتور انا حرة في حياتى وانا أكثر من مرة قلت لهم اننى قد بلغت سن الرشد وأستطيع الانفصال عنهم وتدبير حياتى بمفردى واظن الدستور الجديد قد اقر حق كل انسان راشد فى ان يدير حياته بدون تدخل الاخرين واعتقد أنك انسان مثقف سافرت للعديد من دول العالم وشاهدت ولاحظت بنفسك مدى الحرية التي وصل الانسان اليها في تلك الدول ومدى ما أفادت تلك الحرية لتقدم ورقى تلك الشعوب واظن كذلك أنك تعلم ان من ضمن هذه الحريات حرية الجسد وحرية التمتع به كما اشاء ما دمت لم اتسبب فى الايذاء لأي فرد أخر.
  • وهل اذا قام احد الاباء (الوالد أو الوالدة مثلا) بنشر صور عارية له هل سوف تقبلين ذلك وتعتبرين ذلك حرية شخصية؟.
  • اعتقد انهم كبار السن ولن يرغبوا فى ذلك ، ولان لهم أسرة عليهم التزامات تجاهها.
  • ولكن هل التزاماتهم تحد من حريتهم الشخصية وإظهار مفاتنهم الجسدية؟.
  • ما دام هذا التمتع لم يجلب الضرر لاحد.
  • ولكن الاسرة تضررت من نشرك لتلك الصور.. اليس من تمام حرية الانسان الا تسبب تلك الحرية ضرر لإنسان آخر!!.
  • وهل نشر الصور يستدعى العرض على الطبيب النفسى ؟...هل انا مجنونه وهل التعرى ونشر الصور مرض نفسي؟
  • نعم هناك بعض الاضطرابات الجنسية يحدث فيها حب الاستعراء من كشف العورات امام الغرباء ويبدأ اضطراب الاستعرائية وهو نوع من السلوك الجنسي الشاذ يتكون من تعريض الجسم، أو جزء منه خاصة الأعضاء التناسلية أو السير عاريا من أجل هدف الإرضاء الجنسي ، ويكون الوسيلة ‏المفضلة عنده لتحقيق اللذة الجنسية.وهناك عوامل بيولوجية قد تؤدى الى هذا الاختلال، حيث وجد أن معدل الهرمونات غير طبيعي لدى 75% من المرضى. كما ان هناك عوامل نفسية واجتماعية حيث هناك شخصيات ذات بنية نفسية هشة تعاني من عقد نفسية منذ الطفولة تتعلق بخوفها المستمر من التفاعل مع الآخرين ومن جراء ذلك يعيش ذلك الفرد في عالم الخيال وهذه الأيام بفضل الإنترنت والمواقع الإباحية يتم تغذية هذا الخيال بصورة مستمرة.. كما ان بعض مرضى التخلف العقلى يخلعون ملابسهم امام الآخرين بدون وعى.
  • ولكنى لا اعانى من كل ما ذكرت ،ولا اعانى من التخلف العقلى واعتبر نفسى حرة ومسئولة عن تصرفاتى، وهل كل ممثلة او فتاة إعلانات تنشر صورها على النت سوف تعتبرونها مريضة نفسية ام انها حرة تستمتع بجسدها بحرية ونضوج ورقى.
  • اذن فنحن امام انسانة ،راشدة  ،عاقلة ، تتصرف بحرية فى أمور حياتها ولكنها حرية غير مسئولة. 

******

وهنا سوف نناقش أهمية الحرية لكل فرد منا وما هي الحرية التي ينشدها الجميع وعلاقة الحرية بالتقدم والرقى...

الاخوة الأعزاء أن الحرية والمسؤولية وجهان لعملة واحدة اسمها حق التعبير، فأنت حر ما لم تضر، لأن الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه لا يستطيع العيش لوحده، لهذا هو يحتاج لوسط يمارس فيه حريته واستقلاله الذاتي، ويخضع بذلك للقيود الضرورية التي تضع الفواصل بين حدود استقلاله الذاتي أو حريته وبين ما يتمتع به الآخرون من قيم مقابله.

وحرية الإنسان ليست حقاً له بل هي واجب عليه، ولا شك في أن الإسلام أراد للبشر وللمسلمين أن يعيشوا خارج   نطاق الاستعباد والأسر أحرار تحفظ كراماتهم وتصان ويتم من خلالهم اصلاح وأعمار الأرض وتطويرها. وكل الأديان التي سبقت الاسلام كانت تركز على موضوع حرية البشر.

وكما قلنا إن الحرية تعني منح كل شخص استقلالا ذاتيا وسيادة على نفسه فقط، لذلك فإن الحرية لا تعني انتهاك سيادة الآخرين والتعدي على حدود استقلالهم الذاتي، فأنت حر في تقرير مصيرك واختيار طريقك، ولكنك لست حرا في تقرير مصير الآخرين واستلام زمام المبادرة منهم، لهذا فإن الالتزام بالقوانين والتشريعات لا يتناقض مع الحرية، لأن عدم الالتزام بذلك يسمى فوضى ولا يمت للحرية بصلة.

ومع ذلك لم تغفل الشريعة الإسلامية عن وضع الضوابط لتلك الحرية، فمن القيود النهي عن المجادلة التي تسبب العداوة والبغضاء، والمجادلة بالتي هي أحسن، والمحافظة على أعراض الناس وحرماتهم وحياتهم الخاصة، والبعد عن الجدل العقيم، ومنع ما يضر بالناس في دينهم وشرعهم.

والحرية والمسؤولية تنشآن الإنسان الحر، فالإنسان بدون حرية يفقد كرامته ويصبح عبدا مسيرا للطغاة لا يملك من مصيره شيئا، يفتقر للإرادة وتزول عنه حرية الاختيار، وهو بدون مسؤولية يفقد إنسانيته ويصبح عبدا للشهوات، وإنَّ ما نراه اليوم من انفلات اخلاقى وتحلل فكرى وعرى جسدى ونكوص عن الدين والانغماس في الماديات والشهوات بدعوى حرية النفس والروح والجسد ورقيا حضاريا وفنا راقيا -من وجهة نظرهم-هي مظهر من مظاهر انهيار الأمم السابقة ومن رغب يستطيع مراجعة تاريخ الأمم السابقة في ذلك الامر.

ولو تتَبَّعنا آيات القرآن الكريم سنجد فيها ما يُؤَكِّد على ضرورَة سَتْرِ العَوْرات، والتَّحذير من فِتَنِ الجسد وشَهَواتِه، وتحقيق التَّوازن بين سَتْرِ الإنسان لسَوءتِه باللِّباس والاعْتِدال في زينَتِه، وبين سَتْرِ عُيوبِ نَفْسِه وعَوْراتِها بلباسِ التَّقوى ، كما في قوله تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (سورة الأَعراف 26 - 27)

اخى الكريم نلاحظ حاليا ان المطالبة بحرِّيَّة الجسد تَحَوَّلَت تدريجِيًّا إلى ثورةٍ على الدِّين، وعلى الأخلاق، وعلى الفضيلة، وعلى التَّقاليدِ ، والقوانين،  وثورةٍ على الفطرة الإِنسانِيَّة المناسِبَة لكلِّ جنس،  وتحَرُّرٍ من الضَّوابط، وتَمَرُّدٍ على المراقبة الأسرِيَّة، النَّاتِج عن سوءِ الفهمٍ الحقيقي لمعنى الحُرِّيَّة.

لهذا نحن بحاجَةٍ إلى توعِيَةٍ شامِلَة، لحَسْرِ هذا المَدِّ الخطير الذي يهدِّد كيانَ الأمَّةِ بكامِلِها، وفَتْحِ قَنواتٍ جديدة للحِوار والنِّقاش البنَّاء، حوارٍ يسعى إلى تحقيقِ الانْسِجامِ بين الظَّاهرِ والباطِن في ممارسَةِ التَّديُّن، وتحقيقِ المُصالحَة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين المرأة والرجل، وتصحيحِ العلاقة الإنسانِيَّة بينهما، وإرساءِ ثقافَةٍ جديدة تسعى لإشاعةِ العدالة بين الجنسين في حدودِ الشَّرع والقانون، الموافِق لفِطْرَتِهِما وخصائِصِ جِنْسِ كلٍّ منهما، وصدق الله العظيم"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" صدق الله العظيم-سورة النحل.

 

اذا كان لديك مشكلة وترغب فى عرضها على العيادة النفسية

سجل ايميلك لتصلك الاعداد الجديدة من مجلة النفس المطمئنة