التفسير الإسلامي للسلوك الإنساني

التفسير الإسلامي للسلوك الإنساني


عرض الله عز وجل النفس البشرية عرضا مفصلا في قرآنه المجيد ، مبينا خصائصها المختلفة في كثير من آياته البينات حيث وصفها الحق بكثير من الصفات منها على سبيل المثال وليس الحصر أنها نفس خيرة ونفس سيئة (ال عمران :3.) ونفس أمارة بالسوء (يوسف : 53) ونفس مجادلة (النحل :111) ونفس مطمئنة (الفجر :27:28) وغيرها من الآيات البينات المتضمنة لخصائص النفس الإنسانية التي لا يمكن أن تراها بالعين المجردة ولا نحسها بأي من حواسنا ولكننا نتعرف عليها من خلال انعكاساتها على تصرفات الانسان المختلفة مشكلة في مجموعها محصلة كاملة متكاملة من سلوكياته المتباينة التي يتفاعل بها مع نفسه أولا ثم يتعامل بها مع الناس المحيطة به والمخالطين له في أي مكان على الرضي في هذا الزمان ..

ولم يغفل الاسلام أهمية التفاعل الكامل المتكامل بين العوامل الوراثية والمثيرات البيئية في تكوين الشخصية الإسلامية وفي تدعيم تنشئتها الاجتماعية على أسس ربانية إيمانية بما يرضي الله ورسوله والمؤمنين وبما يكفل لها طيب الإقامة في الدنيا الفانية وحسن الثواب في الآخرة الخالدة ..ويجب ان يؤخذ في الاعتبار التأثير النسبي لكل من الوراثة والبيئة على الجوانب المختلفة للشخصية البشرية ، وعلى الأنماط المتباينة من السلوك الإنساني .. وقد جاء ذلك صراحة في أكثر من موضع في آيات بينات ذكرها الله عز وجل في قرآنه المجيد ، كما جاء ذلك صراحة في أكثر من حديث شريف روى عن رسول الله (ص) في سنته العطرة .. ويضيق المقال هنا بل ونكتفي بطرح هذه السطور المتواضعة في التفسير الإسلامي للسلوك الإنساني لن ذلك يتطلب مجلدا كبيرا يفي الموضوع حقه وحتى لا يبخس من قدره ..ل ذلك سنكتفي هنا على السطور القليلة التالية ان شاء الله بالإشارة المتواضعة الى مفهوم السلوك الإنساني وتنشئته الاجتماعية في رؤية الاسلام وفي مفهوم الدين الحنيف بشقيه القرآن والسنة .

أطلق رسول الله (ص) وصحابته الأبرار اسم (العرق) على مفهوم الجين الذي يحمل الصفات الوراثية المتناقلة بين الأجيال ، حيث وردت أحاديث كثيرة تدل على أهمية اختيار الشريك الصالح للحياة الزوجية حرصا على توارث الصفات الجيدة والخصال عبر الأجيال المتعاقبة والتي تكون عاملا أساسيا في تشكيل سلوك البشر .. قال الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه " تخيروا لنطفكم فان العرق دساس" (منتخب كنز العمال) بما يدل على ان أخلاق الآباء تنتقل الى الأبناء وتتوارث خصائص سلوكياتهم وقال رسول الله (ص) "الناس معادن في الخير ولاشر والعرق دساس ، وادب السوء كعرق السوء " (كشف الخفاء / 224) وقوله (ص) " اياكم وخضراء الدمن قيل وما هي يا رسول الله قال : " المرأة الحسناء في المنبت السوء فإنها تلد مثل اصلها وعليكم بذات الأعراق (منتخب كنز العمال) ومن ثم نجد ان الاسلام يحث عل زواج الرجل الصالح من امرأة صالحة ذات سلوك حسن ، توارثه للقيم والأخلاق والفضائل والخصال الحميدة بما يشكل في أجمالها السلوك الإنساني الجيد والسوي وقد دعم هذا المعنى قوله عز وجل في سورة (الآية : 26) (الخبيثات للخبثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ) . صدق الله العظيم وهذا يؤكد ان للوراثة دورا كبيرا في تفسير السلوك الإنساني .. ولا ينكر الاسلام أهمية المؤثرات البيئية وتفاعلها مع العوامل الوراثية في تكوين شخصية الفرد وتحديد سلوكه حيث تعتبر البيئة المصدر الثاني والأساس في تحديد الأنماط السلوكية للإنسان وجاءت أحاديث كثيرة عن رسول الله (ص) تدل على أن الانسان يولد على الفطرة السليمة ، فطرة التوحيد بالله عز وجل والتسبيح بحمده سبحانه وتعالى : غير أن الأيدي التي تتلقفه منذ ولادته ليكون في رعايتها قد تدعم هذه الفطرة الخيرة فيه وتنيها بما يرضي الله ورسوله والمؤمنين ، وقد تفسدها وتنحرف بها فتضل طريقها ويصبح صاحبها من الغاوين قال رسول الله (ص) كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "رواه مسلم وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، والأمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع ومسئول على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع ومسئول عن رعيته " رواه البخاري .(والنبات الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون " صدق الله العظيم (الاعراف 58) ويفسر المرحوم سيد قطب هذه الآية الكريمة بأن الله عز وجل شبه قلب الانسان بالتربة الزراعية حيث تنبت المشاعر والأحاسيس والنوايا والاتجاهات في قلبه ، لذلك فالقلب الطيب ينبت فيه الخير مثل الأرض الطيبة التي تنبت الثمار الناضجة والقلب الخبيث ينبت فيه الشر مثل الأرض الخبيثة التي لا نبت الا هشيما فالقلب الطيب يهدي لله ويعمل بما جاء في كتابة وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والقلب الخبيث كالأرض البور يصد عن ذكر الله ولا يخرج منه الا نكدا على نفس صاحبه وعلى المحيطين به من البشر ، وهذا يؤكد ان الانسان يتأثر بالبيئة المحيطة به فاذا كانت هذه البيئة طيبة تقيم شرع الله ، فان سلوك البشر فيها سيكون جيدا بآذن الله ، وإذا كانت خبيثة لا تقيم شرع الله فان سلوك البشر فيها سيكون رديئا والعياذ بالله.

وبناء عليه تعتبر الوراثة والبيئة المصدرين الأساسيين لتشكيل السلوك الإنساني وفقا لما ورد في التفسير الإسلامي في القرآن الكريم ذي القول الفصل بين كلام الله وكلام البشر وفي الحديث الشريف ذي القول الفصل بين التصريح والتلميح.

اذا كان لديك مشكلة وترغب فى عرضها على العيادة النفسية

سجل ايميلك لتصلك الاعداد الجديدة من مجلة النفس المطمئنة