الرد على اسئلة القراء

أصبحت أتمنى الموت


  • رقم المجموعة : 1610 تاريخ النشر : 2020-01-25
  • إعداد : ايهاب احمد وظيفة المعد : أخصائى نفسى
  • المشرف : د.محمود ابو العزايم وظيفة المشرف : استشارى الطب النفسى

السلام عليكم

سامحني على الإطالة يا دكتور. وأتمنى أن تقرأ رسالتي وأن ترد علي وتنصحني، جزاك الله عني خيرا

أنا مدرسة لغة عربية، سأصبح في الأربعين بعد شهرين .. غير متزوجة .... أما بعد لقد أصبحت أشعر بألم نفسي عميق يشبه جرح نازف من الداخل ولم أعد أحتمل حتى توافه الأمور ولا أشعر بأدنى رغبة للاستمرار في الحياة بل بوجع غريب يهترئ به كل شيء في داخلي وأدعو الله كل يوم تقريبا أن يميتني.. وليست قصتي مجرد مشاكل عائلية أو ما شابه .. أو هكذا أظن؟؟ولست ادري لماذا أرسل هذه الرسالة مع علمي أن أحداً لن يشعر بما أنا عليه أو يصدق ، وأن أحدا في الكون لا يقدر أن يساعدني

لقد كنت طفلة ذكية وقوية النفس أو هكذا قدرتُ الأمر.. وصحيح أنني مررت بصعوبات في نشأتي لكني كنت أجتازها بإصرار في بيت تنقصه المحبة والعلاقات العاطفية السوية بين الزوجين لا ادري كيف اصف لك الاهتمام من أم أحبتنا وارادت أن تنمي زرعها لكنها أعاقتنا كثيرا بنفس الوقت سواءً بنوعية العقاب الذي كانت تمارسه أو السيطرة بالكلمات التي تشعرك بالضعف والنقص ، ودمرت اشياء كثيرة دون قصد لكنها اهتمت بتدريسنا جيدا .. وأب (رحمه الله) لم يكن يهتم .. كنا مستورين وأبي تاجر مقارنة بمن حولنا ..

 وعندما كنت طفلة كان ثمة الكثير من الناس يرمونني كلمات مؤلمة وضحكات ساخرة ..كانوا أطفالا وشبابا في الشارع والسوق ..لأن وجهي كان فيه شعراً في منطقة الشارب ، ومع أنه كان يمكن إزالته لكن أمي لم تكن تهتم بالأمر فالمهم هو التعليم ، فظننت أنه لا يهم أيضا وبقيت شامخة لا أبالي أتفوق في دراستي وألعب مع أقراني في حارتي وأتفوق حتى في اللعب وفي كرة القدم فقت الأولاد براعة وعندما كنت أجري كنت أشعر أنني أطير وأن قدمي قليلا ما تلمس الأرض .. وقد كنت وما زلت لا أفكر بالزواج ولا بانجاب أطفال ولا أحب أن أنجب أحدا أشوه نفسيته وكم أحمد الله أنني لم أنجب اطفالا وكم اعتقدت إلى اليوم أن الزواج هو أمر سخيف وفاشل مع أنني تمنيت مؤخرا لو كنت قد عشت مع شخص بحد ذاته ولو خادمة في بيته وهو نفسه الشخص الذي يستحيل أن أتزوجه فهو متزوج ومكانته مرموقة ولن أشكل أكثر من حبة تراب في طريقه وأنا أعي ذلك وأكثر لكن لا أدري كيف بقيت أفكر فيه واعتدت على ذلك ..

كل هذا كان يمكنه أن يكون عاديا ..بل ويمكن ترميمه إلا أنني عندما كنت في العشرين من عمري كنت أحلم بمستقبل زاهر في مجال الصحافة والترجمة والسفر وأمور كثيرة تعلقت بهذه المجالات وكان عندي من الحفظ والذكاء والطموح والفصاحة والعناد بفضل الله ما يكفي ويزيد لأمسك بالنجوم مثلما كنت أحس ..ثم حدث أمر غريب .. هو لا يتعلق بعلم النفس ، وإنك لن تصدقني وستحاول تفسير الأمر علميا فتخلع عليَ مرضا ما يناسب وصف حالتي ، لكني سأخبرك : .. في سن الثانية والعشرين تقريبا عندما كنت في السنة الثانية من الكلية شعرت بأن ثمة مخلوق غامض بداخلي فجأة ..هذا المخلوق كان يضغط علي بشكل غريب وأصبحت اقرأ القرآن وأتقيأ كلما أردت أن أخشع وأتدبر ، وقد كان الخشوع والايمان هو ما اعتدت عليه دون جهد لكن فجأة أمسى يشتد علي الضغط حيث الرقبة والرأس من الخلف وانهالت علي الوساوس في التوحيد وذات الله فأخذت أصبح مخلوقا آليا يبرمج كل شيء ليعيش كتبت دلائل وجود الله فكرت وحسبت المسألة تلو أخرى لم أعد أشعر بشيء لكني أصلي مثل الآلة أضحك وأتكلم بين الناس وأنا أذوب من الداخل ..وكم كان كل هذا رهيبا بالنسبة لمخلوقة اعتادت النور والخشوع ..كنت أول من صلى في المنزل في الثانية عشرة من عمري ، لم تكن أمي تصلي ولا إخوتي ومن شدة الاستغراب سحب أخي سجادة الصلاة من تحتي وهو يضحك لهذا الأمر الجديد الذي يحدث في البيت فأخذت أبكي .. كنت أول من صلى وكنت أطير خشوعا ونورا واليوم أنا أكثرهم ظلاما واهمالا للدين والدنيا .. لقد كان الصراع رهيبا وكنت أبكي كل ليلة بكاءا مرا ، ولا يعلم بأمري أحد وبقيت أقاتل في داخل نفسي وكم كنت أُهزم ثم أقوم وأناضل من جديد وأنتصر مرات كثيرة لكن بعد جهدٍ مضني يهدم نفسي ويزيدها عجزا ، وكم كان الألم في روحي والضغط في رأسي وأصبعي الصغرى يجعلني أبدو غريبة عن كل الكون ..واستمر الأمر سنين وأبيض شعري وانا في الخامسة والعشرين من العمر وتعبت وكان علي ألا أستسلم وأن أبقى قوية سليمة بين الناس ..أصارع شيئا لا يراه احد سواي وازدادت حالتي النفسية سوءا وذهب الفرح والأمل الذي كان يميزني ..لن تصدق يا دكتور أنني كنت قبل ما أصابني أنام مبتسمة وأصحو مبتسمة ، فكأنني قد استنزفت في طفولتي وبداية شبابي كل حظي في الفرح والسعادة .. حتى فتات الفرح لم يعد موجودا غاب كل شيء وتدهور ديني لكني لم اترك الصلاة وبقيت على التوحيد متمسكة به أصارع حتى اليوم ، وفي مرحلة ما هجمت عليَ الأوهام وربما يكون هذا الأمر نفسيا فأصبحت لا أريد الخروج من المنزل وأشعر أن ثمة من يراقبني في كل مكان ، وحاولت التخلص من هذا الشعور وتجاهله وان يبدو كل شيء طبيعيا ونجحت تقريبا في ذلك مع أن ثمة أكواما من الألم ..وقد تعبت من القتال وأشعر برغبة شديدة في الراحة من كل الدنيا لقد عشت سبع عشرة سنة تقريبا إلى اليوم أسيرة أتوق إلى الحرية أختنق بهذا العمر الذي يسير ببطء ومدته لا تنتهي وكم أخشى لو كنت من ذوي الأعمار الطويلة .. عندما ينتهي اليوم أقول سقطت ورقة مشؤومة من هذا العمر وانتهى يوما وغار إلى الأبد وقلَتْ مدتي ..أخبرت أهلي من أجل النجدة في مرحلة ما ، لكن الإنقاذ ليس فينا نحن الأسر العربية.. طلبت من أبي أن يأخذني عُمْرة فربما أشفى لكنه لم يفعل فحاولت أن أذهب لوحدي قبل سنين ولم أفلح ، وقد ذهبت حتى إلى معالجين بالقرآن ، ذهبت على مضض ..كنت كمن يستجدي أي شيء وأي أحد ليشفى ويتحرر من أثقاله.. ذلك بعد يأسي من قدرتي ولكني أيضا لم أفلح .. أصبحت خرابا مثل طفلة تكثر البكاء ، أقل شيء يمكن أن يؤذيني ويؤذيني بعمق ، وعندما كنت انهار تارةً وانفجر بالبكاء واصفةً حالي رأيت أهلي يستنكرون ذلك وينهالون علي بالنصائح لأرضى بما أصابني وأهدأ ويحثونني لاستجداء قارئي القرآن مرة أخرى ..لكنني اكتفيت واكتفيت أيضا من أهلي وأحاول أن أجنبهم أي انهيارات لي وأن أبدو قوية وطبيعية وإذا بكيت ليلا أو في الحمام أكتم صوتي وأغسل عينيَ جيدا كي لا تتورما وأدرَب شفتي على الابتسام ثم أختلط بهم.. قبل عامين تعلقت كثيرا برجل يشبه الحلم .. ورغم أنني أكره الرجال ورغم أنني لم أتحدث مع رجل في حياتي بأمور كهذه ولم أشأ هذا ، حتى أن والدي إذا لمس يدي كنت أشعر بالاشمئزاز .. لكنني ومن قلة حرصي أحببته وهو حلم مستحيل وتعلقت به كثيرا مع أني أعرف الفرق وأعرف حالي لكني شقية فازدادت حالتي سوءا ويأسا رحت أراسل هذا الشخص بجرأة غريبة وكنت أود مراسلته طوال العمر وأن أشعر بأنه صديقي في هذه الدنيا دون أن أنتظر منه ردا أبدا ، أنا لست بحاجة إلى التواصل فقد ابتعدت عمدا عن صديقات ولا أحب التعامل مع الرجال ولا التواصل عبر النت ، يشعرني كل ذلك بالضيق ، وعندما لم أعد أرسل إليه لأسباب ولم يعد ذلك الشعور موجودا أصبحت أكثر حزنا وهما .. لا أستطيع حتى بلع الطعام ..  أتعلم إنني مدرسة ممتازة في اللغة العربية وراتبي جيد لكن من كثرة الاحباط والذهن المشوش لم أصنع مستقبل ولم أحتفظ بمال ولم استطع تحقيق أي حلم أردته يوما فقد كنت أشعر أني مهدمة من الداخل ولا أقوى على شيء  ، ورغم أن لدي بيت الاسرة وأخوات وأم قوية ومثالية ، لكننا أسرة مليئة بالمشاكل لا تعاطف ولا تكاثف حقيقي بيننا نشبه المحجوزين في نُزل رغم أن بابه مفتوح ، وأمي لا تريد لواحدة منا أن تنطلق في الحياة إلا إذا كانت قوية قادرة على مقارعة أمي وأنا لست أمتلك أدنى قوة بل إنها أخبرتني أنني انتهيت وعلي ألا أفكر بتغيير حياتي أو وظيفتي التي لا أحبها رغم إجادتها ، وأنه علي أن أتذكر أنني ضعيفة جدا من الداخل ولا أقوى على شيء وعلي أن أرضى وأكمل الأيام بهدوء ودون تعب .. ،كما أني أهتم كثيرا لقضايا وطننا العربي والفلسطيني وأتألم بصورة تفوق المعقول فأهرب إلى مسلسلات الأطفال والأفلام لأصبح شيء متبلد حزين متكوم أمام شاشة التلفاز لا أدري أينا أكثر جمودا أنا أم ما أنظر إليه .. أترى كم هي القضبان من الداخل والخارج متوفرة وتبدو سمينة ووقحة بحيث لا يمكن إزاحتها ..

تمر ايام يتملكني فيها الضيق والهم وينسف أعمدة نفسي نسفا حنى أشعر أني سأجن .. رأيت يوما في حلمي أن قردا يسكن جسدي لكن وجهه وجسده متجها عكس وجهي ..لقد أصبحت مع مر السنين بلا ثقة بالنفس ، وذاكرتي تهدمت أصبحت أنسى حتى أسماء أناس كنت من وقت قريب على اتصال بهم .. إنني اليوم ضعيفة الشخصية أكره هذه الانسانة التي خلقت قبل 39 سنة وأمقتها وأتمنى لو لم تولد ، لم أعد شيئا مما كنت عليه ..أتذكر فقط بعض الأشياء القديمة عني .... وانا مخلوق جبان حاولت الانتحار لكني لم استطع ثم فكرت ماذا سيكون مصير سمعة أخواتي إن فعلت فشربت مضادات حيوية ومسكنات بكميات كبيرة على أمل اصابتي بالتدريج بمرض ما يفتك بي .. انظر إلى سذاجة تفكيري وكأني سأحدد موعد موتي .. ولم يصبني شيء سوى معدة خربانة ... انني اعيش عقوبة ومصيدة لا اعرف متى تنتهي .. أشعر بهذا المخلوق بداخلي أشعر به شعورا قويا يضايقني يكتم عقلي وقلبي .. اصبحت اؤمن أن لا نهاية لكل هذا  إلا بموتي ومع هذا لا يستجيب الله دعائي بالموت ، فهل سمعت من قبل بمن هو مدفون ولكنه لا يموت يتنفس رغما عنه...

 فهل لديك حل يا دكتور لما ورد في رسالتي ؟!! 

الأخت الحزينة 

اذا كان لديك مشكلة وترغب فى عرضها على العيادة النفسية

سجل ايميلك لتصلك الاعداد الجديدة من مجلة النفس المطمئنة