أبعاد الشخصية من منظور ديني

أبعاد الشخصية من منظور ديني


Dimensions of personality from

 a religious perspective

تعتبر المبادئ الدينية بمفاهيمها الأساسية ومناهجها التربوية، هي الأساس في صنع الشخصية المتميزة، والتي لها من السمات والتوجهات والغايات الخاصة، ما يميزها بوضوح تام عن غيرها من الشخصيات الأخرى حيث إن المبادئ الدينية بمفاهيمها الأساسية ومناهجها التربوية تتفق مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، يقول الحق تبارك وتعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ .................}(الروم، 30).

وتعد الشخصية من أبرز الموضوعات التي تناولها علم النفس بالنظريات والدراسات المختلفة، نظراً لأنها المكون الأساسي والرئيسي للتكوين النفسي والذي ينمو ويتفاعل بشكل مستمر خلال جميع المراحل الحياتية للإنسان.

وحيث إن هذا الموضوع يسهم بشكل كبير في علاج الاضطرابات النفسية ويهم كل فئات المجتمع بمختلف طوائفه الدينية في أي بلد من بلدان العالم، فقد اختار الكاتب مصطلح المنظور الديني بدلا من المنظور الإسلامي حتى يتناسب مع كل الفئات بمختلف الطوائف الدينية، وذلك على اعتبار أن لكل طائفة من الطوائف الدينية رسول نزل عليه كتاب من عند الله تعالى، وسُنة سنها لقومة، فاليهود لهم التوراة المنزلة على موسى عليه السلام والمسيحيون لهم الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام والمسلمون لهم القرآن الكريم المنزل على محمد عليه السلام.

ويُعد علم نفس الشخصية من أهم فروع علم النفس حيث يُركز على السلوكيات المختلفة الناتجة عن أفكار الفرد الداخلية وانفعالاته التي يُطلق على مجموعها "الشخصية"، ويُركز هذا الفرع من فروع علم النفس على دراسة المزاج والطباع ودوافع وقدرات الإنسان التي تشكل خصائصه النفسية، ويدخل فيها أيضا كل الخبرات المتراكمة لديه وتجارب الطفولة التي ساهمت في بناء كيانه الذاتي، ولهذا الفرع من فروع علم النفس فوائد من أهمها التعرف على نقاط القوة في الشخصية لتدعيمها ونقاط الضعف لعلاجها.

وتعددت تعريفات الشخصية Personality، فيعرفها لورانس برافين في كتابه علم الشخصية 2010 بأنها: "تنظيم معقد من المعارف والوجدانات والسلوكيات، التي تعطي لحياة الشخص توجها ونمطا؛ وتتكون الشخصية – مثل الجسم – من بناءات وعمليات، وتعكس كلا من الطبع (المورثات) والتطبع (الخبرة)، كما أن الشخصية تشمل آثار وذكريات الماضي وبناءات الحاضر والمستقبل"؛ ويعرفها لطفي الشربيني في معجم مصطلحات الطب النفسي بأنها: "مجموع الخصائص الذاتية المميزة للفرد أو الجماعة، وتضم الصفات أو السمات والنزعات السلوكية والانفعالية للشخص في حياته اليومية في الأحوال المعتادة بصورة مستقرة ومتوقعة"؛ كما يعرفها محمد الجوهري 2010 في معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية بأنها: "نظام متكامل من مجموع الخصائص الجسمية والوجدانية والنزوعية والإدراكية التي تُحدد هوية الفرد وتميزه عن غيره من الأفراد تمييزا بينا، وكما تبدو للناس أثناء التعامل اليومي الذي تقتضيه الحياة الاجتماعية"؛ ويعرفها كاتل بأنها: "ما يمكننا من التنبؤ بما سيفعله الشخص عندما يوضع في موقف معين".

ويمكن تعريف الشخصية في هذا المقال من المنظور الديني بأنها: "كيان مبنى على الإيمان بالقيم والمبادئ المستمدة من الكتب السماوية وما سنه رسل الله عليهم السلام وسيرة السلف الصالح، وتقوم على مجموعة من الأبعاد التي تجعلها كيانا إنسانيا قادرا على التفاعل مع البيئة بما يحقق له كل من التوافق مع هذه البيئة وجودة الحياة".

وبناء على هذا التعريف فإن الشخصية تقوم على مجموعة من الأبعاد التي تجعلها كيانا إنسانيا يتفق والفطرة الإنسانية السليمة التي تجعل الفرد قادرا على التوافق مع البيئة وتحقيق جودة الحياة التي ينشدها أي فرد في مشارق الأرض ومغاربها؛ وقد تعددت وجهات النظر في تحديد هذه الأبعاد، فقد توالت محاولات عديدة من علماء النفس لدراسة الشخصية، وتبلورت في السؤال التالي: ما المكونات الأساسية التي تقوم عليها الشخصية؟، وأُجيب عن هذا السؤال إجابات عديدة ومختلفة من جانب العلماء، ومازال الجدل موصولا حول هذا الموضوع؛ حيث إن لكل وجهة نظر فلسفتها الخاصة التي تستند عليها في تحديد هذه الأبعاد؛ من ثم فقد اختلفت وجهات نظر علماء نفس الشخصية من حيث عدد الأبعاد أو  العوامل التي يمكن على ضوئها وصف الشخصية، وعلى الرغم من أن هناك وجهات نظر كثيرة في هذا المجال إلا أننا نرى أن الاضطرابات النفسية تزداد يوما بعد يوم، وغالبا ما يرجع ذلك إلى أن جهود العلماء في هذا المجال

تستند على تصورات ونظريات تعتمد على أُطر مرجعية عجزت عن فهم الطبيعة الإنسانية فهما صحيحا وفيها غلب الجانب المادي على الجـانب الروحي، بالإضافة إلى أن هذه الأُطر المرجعية مليئة بالتناقضات التي تجعل الفرد يقع في الصراع، ومن ثم فإننا نرى ضرورة إعادة النظر في هذه الجهود للوصول إلى تصور لأبعاد الشخصية يتجنب نقاط الضعف في الجهود السابقة وذلك بمُراعاة الطبيعة الإنسانية وفقا لفطرة الله الذي فطر الناس عليها، والتركيز على الجانب الروحي، الذي به يكتسب الإنسان آدميته، ويركز أيضا على التفاعل بين الجانب المادي (الجسمي) والجانب الروحي في الإنسان ليتحقق له جودة الحياة.

وقبل أن نستعرض وجهة النظر الدينية في الأبعاد التي تقوم عليها الشخصية لا بد أن نستعرض كل من:

1- بعض وجهات نظر العلماء في تحديد أبعاد الشخصية

2- الطبيعة الإنسانية من منظور ديني (الإسلام كمثال)

3- تعريف أبعاد الشخصية إجرائيا

1- بعض وجهات نظر العلماء في تحديد أبعاد الشخصية

يرى كاتل أن الشخصية تتكون من ستة عشر عاملا تتلخص في: (التآلف، الذكاء، الثبات الانفعالي، السيطرة، الاندفاعية، الامتثال، المغامرة، الحساسية، الارتياب، التخيل، الدهاء، عدم الأمان، الراديكالية، كفاية الذات، التنظيم الذاتي، التوتر)؛ بينما يرى أيزنك أن الشخصية تقوم على خمسة أبعاد تتلخص في: (البعد الذهاني، البعد العصابي، بُعد الانبساط، بُعد الكذب، بُعد العدوان)؛ في حين يرى جولدبيرج أن الشخصية تتكون من خمسة عوامل كبرى تتلخص في: (الانبساط – الانطواء، المقبولية – المتعة، الضمير الحي – الاعتمادية، الاتزان الانفعالي، الذكاء - البساطة)؛ ويرى برنرويتر أن الشخصية تتكون من أربعة أبعاد تتلخص في: (العصابية، الاكتفاء الذاتي، الانطواء، السيطرة)، ويرى عبدالرحمن عيسوي أن الشخصية العربية الإسلامية تتكون من مجموعة من السمات تتلخص في: (سمات روحية أو دينية، سمات خلقية، سمات اجتماعية، سمات نفسية، سمات عقلية، سمات عملية).

وبالنظر إلى وجهات النظر السابقة نجد أن البعض حدد العوامل أو الأبعاد ما بين الإيجابية والسلبية مثل كاتل، ومنهم من حددها في أبعاد ثنائية القطب مثل جولدبيرج، ومنهم من حدد هذه الأبعاد بطريقة سلبية مثل أيزنك، ويؤخذ على وجهات النظر هذه أنها أهملت عامل أو بُعد الموجه الذي يوجه الفرد في سلوكياته ألا وهو بُعد الإيمان بالمعتقدات والمبادئ والقيم والتي تمثلها النظرية الشخصية للفرد، وأما بالنسبة لوجهة نظر عبدالرحمن عيسوي فقد حددها في مجموعة من السمات الإيجابية ولكنه لم يحدد الأبعاد التي تمثل الأركان الأساسية التي تندرج تحتها هذه السمات.

وأيا كان هناك من المآخذ على هذه الأبعاد أو العوامل التي حددها هؤلاء العلماء فإننا لا ننكر إسهاماتهم في مجال دراسة الشخصية، فكما يقول (كلود برنارد): "ليست هناك نظرية خاطئة وأخرى صائبة، بل هناك ثمة نظرية عقيمة وأخرى مثمرة".

 2- الطبيعة الإنسانية من منظور ديني (الإسلام كمثال):

لقد اختار الكاتب الإسلام كمثال على اعتبار أن الإسلام هو الدين الخاتم، وأن مصدر الوحي لجميع الأنبياء والرسل واحد، ومن ثم فإن التعاليم واحدة في جميع الأديان وخاصة المتصلة بالقيم والأخلاق. 

ينظر الدين - (الإسلام كمثال) - للإنسان على أنه خير بطبعه، أي خلقه الله عز وجل مستويا مزينا بالعقل، مدبرا حكيما، مؤديا للأمر، قادرا على التمييز، مستقيما على الفطرة القويمة؛ ومن ثم فإن الإنسان مجبول على الخير، إلا أن البيئة لها تأثير في عمليتي التنشئة والتطبيع؛ فمن قاوم الشيطان صار في طريق الحق وكان سلوكه مطابقا لتعاليم دينه، وأما من اجتالته الشياطين انحرف عن تعاليم دينه، فعن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحَرَّمَت عليهم ما أحللتٌ لهم» . (رواه مسلم.، ج4، ص: 2047)

ومن ثم فإن الطبيعة الإنسانية من المنظور الديني - (الإسلام كمثال) - ليست شريرة؛ وبالنسبة لمخالفة سيدنا آدم عليه السلام لأمر الله عز وجل عندما أمره بأن لا يأكل من شجرة معينة وأكل منها، لا يعتبرها الدين - (الإسلام كمثال) - عقيدة أصيلة في الإنسان بل هي زلة استغفر منها سيدنا آدم عليه السلام فتاب الله عليه.

 3- التعريف الإجرائي لأبعاد الشخصية:

يمكن تعريف أبعاد الشخصية Personal dimensions إجرائيا في هذا المقال بأنها: "مجموع الأبعاد التي تتفق والفطرة الإنسانية السليمة وتقوم عليها الشخصية الإنسانية وتكون بمثابة صفة مميزة ويمكن أن يكون لها موضع من مقياس متدرج؛ يمكن من خلاله تصنيف الأفراد إلى حالات السواء أو اللاسواء، ففي حالة ترابطها تؤدي إلى تكامل الصفات العقلية والنفسية والاجتماعية والخُلقية للفرد وتحقق له كل من: (التوافق الفعال مع البيئة التي يعيش فيها، وجودة الحياة)"، وفي هذه الحالة يُصنف الفرد ضمن حالات السواء، وأما في حالة التعارض وعدم الترابط تضعف الشخصية وتتفكك ويصاحب هذا التفكك تدهورا في جوانبها، بالإضافة  إلى حدوث تشوه في الإدراك والتفكير وفي هذه الحالة يُصنف الفرد ضمن حالات اللاسواء.

 وعلى ضوء هذا التعريف يمكن تحديد أبعاد الشخصية من المنظور الديني - (الإسلام كمثال) - في مجموعة من الأبعاد تتلخص في: (الإيمان بالله تعالى Belief in God Almighty، الفطنة والذكاء Cleverness and intelligence، العقل والتفكير Mind and thinking، الصدق والالتزام Honesty and commitment، العاطفة والتراحم Sentiment and compassion، التفاؤل والإيجابية Optimism and affirmative، التفاعل مع الآخرين Interacting with others)، وفيما يلي نبذة مختصرة عن كل بُعد من هذه الأبعاد:

 1- الإيمان بالله تعالى Belief in God Almighty:

يعتبر الإيمان بالله تعالى هو البُعد الأساسي من أبعاد الشخصية الإنسانية، فالإيمان بمثابة عمود الخيمة القوي الذي يجعلها تكون ثابتة لا تؤثر فيها الرياح مهما كانت شدتها، فإذا كان إيمان الفرد صادقا قامت شخصيته، وإن كان غير صادق تأثرت سلبا بالمواقف الضاغطة ولم تصمد أمامها وتدهورت وتفككت، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .......} (الحج:11)، ويعتبر هذا البعد بمثابة الموجه الذي يوجه الفرد في سلوكياته، وتمثل النظرية الشخصية للفرد هذا البُعد.

 2- الفطنة والذكاء Cleverness and intelligence:

أولا - الفطنة 

وتعني في هذا المقال: "قدرة الفرد على استقراء الحدث قبل أن يحدث، أو قدرة الفرد على توظيف ما لديه من ذكاء وقدرات عقلية في اكتشاف الأمور التي يغلب عليها الغموض".

 ثانيا – الذكاء:

الذكاء مصطلح يشمل ويتضمن القدرات العقلية المتعلقة بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشكلات، وبناء الاستنتاجات، والقدرة على التفكير المجرد، وسرعة التعلم.

وقد تعددت تعريفات الذكاء بحسب النظريات المفسرة له، فيعرفه تيرمان: "بأنّه القدرة على القيام بعملية التفكير المجرد"؛ ويعرفه شترن بأنه: "القدرة العامة للفرد على التكيّف العقلي مع المواقف والمشكلات الحياتيّة الجديدة"؛ ويعرفه هوارد جاردنر بأنه: "مستوى كفاءة الفرد الفكرية والتي تتشكّل من مجموعة من المهارات التي تمكّن الفرد من استخدامها في حل المشكلات واكتساب المعارف الجديدة".

ويمكن تعريفه في هذا المقال بأنه: "الأداة الأساسية التي يستخدمها العقل للقيام بوظيفته والتي تتمثل في التفكير الإيجابي الذي يقود صاحبه إلى السلوك السوي والهادف، والتأثير الفعال في البيئة، ومواجهة المشكلات".

3- العقل والتفكير Mind and thinking:

أولا – العقل:

يعرفه معجم علم النفس والتربية بأنه: "مجموع نواحي النشاط التي عن طريقها يستجيب الفرد باعتباره نظاما ديناميكيا متكاملا للقوى الخارجية دون إغفال لماضيه ومستقبله".

وتتميز الشخصية من المنظور الديني بأنها شخصية عقلانية، أي يسيطر العقل فيها على كل تصرفات الفرد (دوافعه، وعواطفه، وطريقة تفكيره)، فسلوك الفرد المتدين لا يخضع للاندفاع، ولا للميل الأناني والهوى الشخصي الذي تضيع فيه قيم الحق والعدل، وتتلاشى أمامه قواعد الأخلاق، ويرجع هذا إلى انسجام العقل مع القلب، فجوارح الشخصية الدينية منسجمة مع بعضها البعض ولا تعارض فيما بينها.

ويرى كاتب المقال أن العقل هو أحد الأركان الأساسية للشخصية والتي من خلالها يمكن الوصول إلى الحقائق والعلوم في مختلف المجالات.

 ثانيا - التفكير Thinking:

يعرفه سيد خير الله في كتابه سلوك الإنسان بأنه: "العملية التي ينظم بها العقل خبراته بطريقة جديدة لحل مشكلة معينة، أو هو إدراك علاقة جديدة بين موضوعين أو بين عدة موضوعات بغض النظر عن نوع هذه العلاقة".

ويرى كاتب المقال أن التفكير هو وظيفة العقل، فالفرد لا يستطيع العيش على هذا الكوكب ومواجهة ما يعرض له من مشكلات في حياته إلا بالتفكير ولا يكون التفكير إيجابي إلا عندما يكتمل العقل باكتمال الإيمان؛ فالإنسان العاقل لا يخطو خطوة إلا بعد أن يتعرف على ما يترتب عليها من نتائج، وذلك في ضوء الموجهات التي يفرضها الدين على الفرد.

 4- الصدق والالتزام Honesty and commitment:

الصدق يعني قول الحقيقة، وأما الالتزام فيعني أن يكون الفعل مطابق للقول؛ ومن ثم لا يصح أن يوصف المؤمن بالكذب لأنه ليس من سماته، وإنما هو خصلة من خصال النفاق كما يتبين لنا من الحديث الشريف، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقا وإن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر." {صحيح وضعيف سنن الترمذي (6/ 132)}؛ ومن ثم فلا يصح أن نقول أن الكذب أحد أبعاد الشخصية كما هو الحال عند أيزنك، وإنما نقول أن الصدق هو أحد أبعاد الشخصية كما هو في التصور المقترح في هذا المقال؛ يقول ابن تيمية رحمه الله في كتابه مجموعة الفتاوى الجزء السابع: المؤمن يتصف بالصدق والمنافق بالكذب، لأن الطائفتين قالتا بألسنتهما آمنا، فمن حقق قوله بعمله فهو مؤمن صادق، ومن قال بلسانه ما ليس في قلبه فهو كاذب منافق، قال تعالى في حق المؤمنين الصادقين الذين وافقت أفعالهم أقوالهم: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ...........} (البقرة: 177)، ويقول سبحانه وتعالى في حق المنافقين الذين لم توافق أفعالهم أقوالهم: {وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ........} (آل عمران: 167)، كما أن الفرد المتدين دائما يتسم بالالتزام، فنراه يُخضع جميع سلوكياته من ممارسات ونشاطات لنظريته الشخصية المملوءة بقواعد الدين وقيمه، فأي سلوك يُخضعه لمقاييس وقيم وموازين ثابتة لديه قبل أن يسلكه.

ففي الحديث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والحارث ابن مالك نائم فحركه برجله قال: "ارفع رأسك، فرفع رأسه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارث بن مالك قال: أصبحت يا رسول الله مؤمنا حقا، قال صلى الله عليه وسلم: إن لكل حق حقيقة فما حقيقة ما تقول، قال: عزفت عن الدنيا وأظمأت نهاري وأسهرت ليلى، وكأني أنظر إلى عرش ربى فكأني أنظر إلى أهل الجنة فيها يتزاورون وإلى أهل النار يتعاوون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت امرؤ نور الله قلبه عرفت فالزم" {جامع الأحاديث: 33/ 42}

 5- العاطفة والتراحم Sentiment and compassion:

أولا - العاطفة Sentiment:

يعرفها معجم المصطلحات النفسية والتربوية بأنها: "صفة نفسية ثابتة مكتسبة لها أثر كبير في تكوين الشخصية؛ مجموعة الانفعالات السارة منها تُكون عاطفة محبة، ومجموعة الانفعالات غير السارة منها تُكون عاطفة كراهية".

وتعرف أيضا بأنها: "استعداد نَفسيّ ينزعُ بصاحبه إلى الشُّعور بانفعالات وجدانيّة خاصَّة والقيام بسلوك معيَّن حيال شخص أو جماعة أو فكرة معيّنَة؛ ففيها إذًا انفعال، وتصور، وفعل؛ كالعواطف الدينية، أو الخُلُقية، أو الاجتماعية".

ويعرفها عبدالمنعم الحفني في كتابه الموسوعة النفسية "علم النفس في حياتنا اليومية" 1995 بأنها: "صفة مزاجية مكتسبة تتكون باجتماع عدد من الانفعالات المتشابهة حول موضوع معين وتستثار مرتبطة بهذا الموضوع أو الموقف دون غيره"، ومن شأن العواطف أنها تنظم الانفعالات بربطها بالموضوعات.

 ثانيا - التراحم

ويعني في هذا المقال: "ترجمة الشعور بالانفعالات الوجدانية إلى أفعال سلوكية، مثل الوقوف بجانب شخص ما وقت الأزمات، وهذا الموقف تفرزه الانفعالات السارة التي تكون عاطفة المحبة".

 6- التفاؤل والإيجابية Optimism and affirmative:

التفاؤل والإيجابية وجهان لعملة واحدة، فإذا ما كان الفرد متفائلا توافرت لديه سمة الإيجابية كأحد سمات الشخصية.

أولا – التفاؤل:

التفاؤل لغة من الفأل – ضد الطيرة – وهو الأمل وحسن الظن ورجاء الخير والاستبشار، أما الطيرة: فهي سوء الظن وانقطاع الأمل أو الرجاء (ابن منظور، ج4، 1981: 3335)

ويعرفه لورانس برافين في كتابه علم الشخصية 2010 اصطلاحا بأنه: "توقع الفرد أن تسير الأمور وفق ما يتمنى، ويعتقد بوجه عام أن أشياء حسنة وليست سيئة هي التي ستحدث له".

ومن ثم فإن التفاؤل ضد التشاؤم والتطير، والتفاؤل خير من التشاؤم، لأن الناس إذا أملوا في تحقيق فائدة يدعون الله تعالى ويرجونه عند كل موقف صعب، وبهذا يكونون على خير؛ وإذا تعود المرء النظر إلى الأشياء من جوانبها الجميلة كان استعداده الفكري إلى التفاؤل أميل، فهو يعلم أن في كل شيء خير وشر، لكنه يفضل الالتفات إلى كمال الشيء دون نقصه وإلى جماله دون قبحه حتى يكون له في رجائه فائدة وبهجة، ويسمى هذا التفاؤل بالتفاؤل النفسي.

 ثانيا – الإيجابية

وتعني في هذا المقال: "وجود الإرادة والعزم لدى الفرد على حل المشكلات التي تعرض له مهما كان حجمها"؛ ومن صفات المتفائل أنك ترى له قوة في يقين وصبرا في شدة، فإذا ما عرض للفرد من مشكلات فإنه لا ييأس من التغلب عليها ولا يقنط من رحمة الله تعالى في حلها، ومن ثم فإن المتفائل إيجابي وليس سلبي في المواقف التي تعرض له مهما اشتدت صعوبتها.

 7- التفاعل مع الآخرين Interacting with others

ويعني في هذا المقال: "تأثر الشخص بأعمال وأفعال وآراء غيره وتأثيره فيهم، أو هو العلاقة المتبادلة بين فردين أو أكثر حيث يؤثر سلوك أحدهما على سلوك الأخر؛ ويُبنى التفاعل من وجهة النظر الدينية على قيم الصدق والأمانة والتسامح والتعاون والتكافل والتجاذب". 

ومن العرض السابق للأبعاد السبع نجد أن الإيمان هو البعد الأساسي والموجه الإيجابي للفرد في جميع تصرفاته، وأن التفكير هو وظيفة العقل، وأما الذكاء والفطنة فهما أدوات العقل للقيام بالتفكير وحل المشكلات، وأما كل من: (العاطفة والتراحم، والصدق والالتزام، والتفاؤل والإيجابية، والتفاعل مع الآخرين) فهم ترجمة ما اكتسبه الفرد من قيم ومبادئ ومعارف ومهارات .....إلخ) إلى سلوك، وكل ذلك يقوم على البعد الأساسي من أبعاد الشخصية وهو الإيمان، ومن ثم نجد أن أبعاد الشخصية تعمل كمنظومة بطريقة ديناميكية فكل بُعد يؤثر في الأبعاد الأخرى ويتأثر بها.

ويمكن تصنيف الشخصية على أساس المقياس المبني على هذه الأبعاد إلى سوية أو غير سوية فالدرجة المرتفعة على كل بُعد من هذه الأبعاد يعني أن الشخصية تقترب من السواء وتبتعد عن اللاسواء، وأما الدرجة المنخفضة فتعني أن الشخصية تبتعد عن السواء وتقترب من اللاسواء.

اذا كان لديك مشكلة وترغب فى عرضها على العيادة النفسية

سجل ايميلك لتصلك الاعداد الجديدة من مجلة النفس المطمئنة